Monday 18 March 2013

رحلــة عقل (1) من ضيق الإلحاد إلي رحابة الإيمان‮ - د‮. ‬عمرو شريف


رحلــة عقل


‮ ‬من ضيق الإلحاد إلي رحابة الإيمان‮ »‬1‮«‬




بقلـم :- د‮. ‬عمرو شريف - أستاذ الجراحة العامة كلية الطب ـ جامعة عين شمس



سير‮ »‬أنتوني فلو‮ »‬Sir Antony Flew‮« (‬أستاذ الفلسفة البريطاني‮) ‬اسم ذائع الصيت في مجالات الفكر والفلسفة والإلحاد والتدين‮! ‬كان يعد بحق من أكبر ملاحدة العصر الحديث،‮ ‬وظلت كتاباته الغزيرة جدول أعمال الفكر الإلحادي طوال النصف الثاني من القرن العشرين‮.‬



وفي التاسع من ديسمبر عام ‮٤٠٠٢‬،‮ ‬فوجئ العالم بخبر مازال صداه يتردد في الأوساط الفلسفية والعلمية والثقافية والدينية،‮ ‬لقد أعلن أنتوني فلو‮ (‬بعد أن بلغ‮ ‬من العمر ثمانين عاما‮) ‬انه قد صار يؤمن بأن‮ »‬هناك إله‮«. ‬وقد أذاعت وكالة أنباء الاسوشيتدبرس الخبر بعنوان‮: »‬ملحد شهير يؤمن بالإله،‮ ‬بدافع من الشواهد العلمية‮«.‬



أصاب الخبر الملاحدة من زملاء أنتوني فلو وتلاميذه بهستيريا عارمة،‮ ‬حتي امتلأ اعلام العالم الغربي الحر بسخريتهم وازدرائهم لهذا التحول‮!‬



وقد طلب من أنتوني فلو مرارا أن يصدر كتابا يعرض فيه رحلته،‮ ‬من صبي مؤمن إلي رجل ملحد إلي شيخ في الثمانين يؤمن بوجود الإله‮. ‬وقد صدر عام ‮٧٠٠٢ ‬الكتاب المنتظر بعنوان‮: »‬هناك إله‮: ‬كيف عدل أشرس ملحد عن الإلحاد‮«.‬



وتعلق مجلة‮ »‬تايم‮« ‬الأمريكية علي تحول أنتوني فلو من الإلحاد إلي الإيمان بقولها‮: »‬علي رأس أعظم الاكتشافات العلمية في القرن العشرين يأتي اكتشاف أن هناك إلها‮«!‬



لاشك أن الكثيرين منا قد قرأوا عن رحلة الدكتور مصطفي محمود من الشك إلي الإيمان،‮ ‬وأن بعضنا قد قرأ عن نفس الرحلة للدكتور عبدالوهاب المسيري‮. ‬وقد كانت شواهد الدكتور مصطفي محمود‮ (‬باعتباره رجل علم‮) ‬شواهد علمية في المقام الأول،‮ ‬بينما كانت شواهد الدكتور عبدالوهاب المسيري فلسفية في الأساس،‮  ‬أما سير أنتوني فلو فقد جمع بين المشربين،‮ ‬فهو أستاذ في الفلسفة انطلق في رحلته من الشواهد العلمية‮.‬



ويخبرنا سير أنتوني فلو انه عاش طوال حياته الفلسفية في ظل مبدأ الفيلسوف اليوناني الشهير‮ »‬سقراط‮«: »‬أن يتبع الدليل إلي حيث يقوده‮«. ‬ويقول‮: ‬لقد قادني الدليل طوال حياتي إلي الالحاد،‮ ‬ثم قادني بعد أن بلغت الثمانين من عمري إلي الإيمان‮. ‬يا لعظمة الرجل،‮ ‬ويا لشجاعته‮.. ‬يبدل موقفه بعد أكثر من ستين عاما في الالحاد،‮ ‬لم يكن الرجل من هؤلاء الأقزام الذين يجبنون عن مواجهة العالم بتغيير آرائهم ومعتقداتهم‮.‬



ان هذا الموقف يذكرني بقول الحق عز وجل في كتابه الكريم‮: »‬سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق‮« (‬فصلت ـ ‮٣٥).‬



إن سير أنتوني فلو يبين في كتاب‮ »‬هناك إله‮«‬،‮ ‬أن هناك دليلين علميين قاداه إلي القول بوجود الإله،‮ ‬الأول هو نظرية الانفجار الكوني الأعظم التي تبين ان للكون بداية وانه نشأ من عدم،‮ ‬والثاني هو الشفرة الوراثية للإنسان،‮ ‬والتي تبين مدي تعقيده الهائل‮. ‬سبحان الله،‮ ‬إنها آيات الآفاق والأنفس كما تشير الآية الكريمة،‮ ‬لاشك عندي أننا قد صرنا نحيا في زمان تحقق هذه الآية‮. ‬هذا بعض عطاء العلم في قضية الإيمان‮.‬



أما عطاء الفلسفة،‮ ‬فيعجبني فيه قول للشيخ نديم الجسر في كتابة‮ »‬قصة الإيمان‮«‬،‮ ‬اذ يقول‮: »‬الفلسفة بحر ليس ككل البحار،‮ ‬تجد الهلاك في شطآنه وتجد الأمان في أعماقه‮«. ‬أي ان بعض الفلاسفة يرديك إلي الالحاد،‮ ‬أما التعمق فيها فيقودك إلي الإيمان‮. ‬لذلك نجد عمالقة الفلاسفة عبر التاريخ من المؤلهة،‮ ‬ابتداء من ثالوث الفلسفة اليونانية العظيم،‮ ‬سقرط وأفلاطون وأرسطو،‮ ‬إلي علماء الكلام المسلمين وفلاسفة الإسلام الكبار كابن سينا والفارابي والكندي وابن رشد،‮ ‬إلي أقطاب الفلسفة الغربية الحديثة كديكارت،‮ ‬وكانت وسبينوزا،‮ ‬وليبنتز‮.‬



وقد سئل أنتوني فلو‮: ‬انك تتحدث كثيرا في قضايا علمية وتستقي من العلم شواهدك الإيمانية،‮ ‬بل وتنتقد العلماء في بعض ما يقولون،‮ ‬فهل أنت عالم أم فيلسوف؟ فأجاب قائلا‮: ‬ان الحديث عن التفاصيل العلمية لنشأة الكون،‮ ‬وما وقع من تتابع الأحداث عقب الانفجار الكوني الأعظم،‮ ‬إنما هو شأن علماء الفيزياء،‮ ‬كذلك فإن البنية الكيميائية لجزئ الدنا‮ ‬DNA‮ ‬المسئول عن الشفرة الوراثية للكائنات الحية،‮ ‬هي شأن علماء البيولوجيا‮. ‬أما القضايا العقلية المرتبطة بهذه الحقائق العلمية مثل كيف ينشأ الكون من عدم؟ وماذا كان قبل بداية الكون؟ ومن أين جاء الكم المعلوماتي الهائل الذي تحمله الشفرة الوراثية؟ وغيرها من الأسئلة التي لا نهاية لها،‮ ‬فشأن الفلسفة والدين‮.‬



ويصف أنتوني فلو اهتمامه بالبحث عن الإله بأنه اهتمام‮: »‬حكيم ـ أخلاقي ـ فضولي‮« ‬فهو اهتمام‮ »‬حكيم‮«‬،‮ ‬اذ انه اذا كان هناك إله يسيطر علي مصير الإنسان،‮ ‬فمن الحمق ألا نتعرف إليه ونعمل علي مرضاته‮. ‬وهو اهتمام‮ »‬أخلاقي‮« ‬اذ لا شيء جدير باهتمام الإنسان،‮ ‬ويحقق له الخلود،‮ ‬قدر الوقوف إلي جانب الحقيقة‮. ‬وهو اهتمام‮ »‬فضولي‮«‬،‮ ‬اذ لا شيء يثير العقلية العلمية الفلسفية قدر استكشاف الأمور العظيمة،‮ ‬ولا أعتقد أن هناك أعظم من اكتشاف أن هناك إلها‮. ‬مرة أخري،‮ ‬انه اهتمام‮ »‬حكيم ـ أخلاقي ـ فضولي‮«.‬



وقد أدهشني بعد أن أبحرت مع أنتوني فلو في رحلته،‮ ‬ان‮  ‬أجد ان البرهان العقلي قد قاده إلي القول بإله يتماثل تماما مع إله الديانات التوحيدية،‮ ‬خاصة الاسلام‮. ‬انظر إليه وهو يقول‮: ‬لقد صرت‮ »‬أؤمن بإله واحد أحد،‮ ‬واجب الوجود،‮ ‬غير مادي،‮ ‬لا يطرأ عليه التغيير،‮ ‬مطلق القدرة،‮ ‬مطلق العلم،‮ ‬كامل الخير‮«. ‬ويضيف فلو‮: ‬لقد أنجزت الفلسفة مهمتها الأساسية بنجاح عظيم عندما توصلت إلي تفسير نشأة الوجود بوجود الإله الخالق،‮ ‬الذي خلق الكون ليكون معدا لاستقبال المخلوق العاقل الحكيم الذي هو الإنسان‮.‬



القارئ الكريم‮....‬



لقد ظهرت في السنوات العشر الأخيرة في عالمنا العربي موجة إلحادية،‮ ‬ازداد ارتفاعها مع ثورات الربيع العربي،‮ ‬ربما كان ذلك نتيجة لجو الحرية الذي ساد بعد هذه الثورات‮. ‬فصرنا نجد عددا من المواقع الالحادية العربية علي شبكة العلومات‮ (‬النت‮)‬،‮ ‬وصار بعض شبابنا وكبارنا يترددون علي المواقع الالحادية العالمية وينبهرون بما يستمعون إليه فيها،‮ ‬ويرددونه في جلساتهم وجامعاتهم ومدارسهم،‮ ‬وبمحاورتي مع بعض هؤلاء الشباب الكبار،‮ ‬ألمس شغفهم وبحثهم عن الحقيقة،‮ ‬مما يزيد من مسئوليتنا في مخاطبتهم بلغة العقل والعلم،‮ ‬وهذا هو هدفنا ومنهجنا في هذه السلسلة من المقالات،‮ ‬والتي اخترت لها عنوان‮ »‬رحلة عقل‮«‬،‮ ‬أحب كتبي إليّ‮.‬



0 comments:

Post a Comment

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes تعريب : ق,ب,م